بيتُ القراء و المدونين
  •  منذ 6 سنة
  •  0
  •  0

لاَ تَجْعَلَنَّ بِجَنْبِكَ الأَسدةَ

لاَ تَجْعَلَنَّ بِجَنْبِكَ الأَسدةَ

قُلت‏:‏ هذا مثلٌ يَقَع فيه التصحيف،

فقد رَوَى بعضُ النَّاس ‏"‏لاَ تحفلنَّ بجنبك الأشد‏"‏ وتحَّملَ له معنى يبعد عن سَنَن الصواب، وقد تمثل به أبو مُسْلم صَاحبُ الدولة حين وردَ عليه رؤبة بن العجاج وأنشده شِعره، ثم قَالَ له أبو مسلم‏:‏ إنك أتَيتَنا والأموال مَشُفوهَة والنوائبُ كَثيرة، ولكَ علينا مُعَوَّل، وإلينا عَوْدَة، وأنتَ لنا عاذر، وقد أمرنا لكَ بشيء وهو وَتِح ‏(‏الوتح - بفتح الواو وسكون التاء أو فتحها أو كسرها - ومثله الوتيح‏:‏ القليل التافه من الشيء‏)‏ فلاَ تجعلنَّ بجنبك الأَسدة، هكذا أورَدهُ السلامي في تاريخه، فإن الدَهر أطرَقُ مستتبٌّ، ثُم دعا بِكِيسٍ فيه ألفُ دينار فدفَعَه إليه، قَالَ رؤبة‏:‏ فوالله ما أدْرِي كيفَ أُجِيبه، قَالَ الجوهَري‏:‏ السَّد - بالفتح - واحدُ الأَسدة، وهيَ العُيُوب مثلُ العَمَى والصَّمَ والبَكَم، جمع عَلى غَير قياس، وكان قياسه سُدوداً، ومنه قولهم ‏"‏لاَ تجعلن بجنبك الأَسدة‏"‏ أي لاَ يضيقَنَّ صدرُك فَتَسكت عن الجَواب كمن به صَمَ أو بكم، قَالَ الكُمَيْت‏:‏

وَمَا بَجْنَبيَّ مِن صَفْحٍ وَعَائِدَةٍ * عِنْدَ الأَسدة إنَّ العِيَّ كالعَضَبِ

يقول‏:‏ ليس بي عي ولاَ بكم عَن جَواب الكاشح، ولكنى أصفح عنه؛ لأن العي عن الجواب كالعَضب، وهو قَطع يَد أو ذهاب عضو، والعَائدة‏:‏ العَطف، هذا كلامهُ، وأما قول أبى مسلم ‏"‏فإن الدهر أطْرَقَ مستتب‏"‏ فالطرق‏:‏ استرخاء وضُعف في الرُكبتين، والاستتباب‏:‏ الاستقامة، يريد أن الدهر تارة يَعْوَجُّ وتارة يستقيم، وهذا كالاَعتذار منه إلى رؤبة‏.‏

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر