بيتُ القراء و المدونين
  •  منذ 6 سنة
  •  0
  •  0

دُهْ دُرَّيْنِ سَعْدُ القَيْنُ‏.‏

دُهْ دُرَّيْنِ سَعْدُ القَيْنُ‏.‏

هذا مثل قد تكلم فيه كثير من العلماء، فقال بعضهم‏:‏ الأصل فيه أن العرب تعتقد أن العَجَمَ أهلُ مَكْر وخَديعة، وكان العجم يخالطوهم، وكانوا يَتَّجِرون في الدُّرِّ، ولا يحسنون العربية، فإذا أرادوا أن يُعَبروا عن العشرة قالوا‏:‏ ده، وعن الثنين قالوا‏:‏ دو، فوقع إليهم رجل معه خَرَزَات سود وبيض، فلَبَّسَ عليهم وقال‏:‏ دُودُرَّيْن، أي نوعان من الدر، أو ده درين، أي قال عشرة منه بكذا، ففتشوا عنه فوجدوه كاذباً فيما زعم، فقالوا‏:‏ دُهْ درين، ثم ضموا إلى هذا اللفظ ‏"‏سعد القين‏"‏ لأنهم عَرَفوه بالكذب حين قالوا‏:‏ إذا سَمِعْتَ بِسُرَى القَيْن فإنه مُصْبح، فجمعوا بين هذين اللفظين في العبارة عن الكذب، وثنوا قولهم‏:‏ ‏"‏درين‏"‏ لمزاوجة القين، فإذا أرادوا أن يعبروا عن الباطل تكلموا بهذا، ثم تصرفوا في الكلمة فقالوا‏:‏ دهدرّ، ودهدنّ، ودهدار، وجعلوا كلها أسماء للباطل والكذب‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ أصله ‏"‏ده دو‏"‏ فَثَنَّوه عبارة عن تضاعف معنى الباطل والمبالغة فيه، كما جمعوا أسماء الدواهي فقالوا‏:‏ الأقْوَرِين، والفتكرين، والبرجين، إشارة إلى اجتماع الشرِّ فيه، ثم غيروا أوله عن دَهْ بالفتح إلى دُهْ بالضم ليكونوا قد تصرفوا فيه بوجه ما‏.‏

قالوا‏:‏ وموضع المثل نصب بإضمار أعني أو أبصر، ويجوز أن يكون رفعا على الابتداء، أي أنت صاحب هذه اللفظة، أو مثلُ مَنْ عُرِف بهذا، وسعد‏:‏ رفع أيضاً على هذا التقدير، أي أنت سعد القين، وحذف التنوين لالتقاء الساكنين‏.‏

قال أبو زيد في نوادره‏:‏ يقال للرجل يُهْزَأ منه‏:‏ ده درين، وطرطبين‏.‏

قال أبو الفضل المنذري‏:‏ وجدت عن أبي الهيثم دُهْ مضمومةً وسعد منصوبا، كأنه يريد يا سَعْد مضافاً إلى القين غير معرب، كأنه موقوف، قال‏:‏ تقال هذه الكلمة عند تكذيب الرجل صاحِبَه‏.‏ قال أبو الفضل‏:‏ ‏وقال أبو عبيدة ده درين، قال‏:‏ وإنما تركوا منها نون القين موقوفة، ولم ينونوا سعدا في هذا الموضع، ونصبوا ده درين على إضمار فعل ينصبه، وهو أعني، قال‏:‏ وبعضهم يقولون ‏"‏دُهْدُرَّيْ‏"‏ بغير نون الاثنين، ومعناه عندهم الباطل، قال الأصمعي‏:‏ ولا أدري ما أصله، قال أبو عبيد‏:‏ وأما أبو زياد الكلابي فإنه قال‏:‏ ده دريه، بالهاء، هذا ما قالوا فيه، ثم صار الدُّهْدُرُّ اسماً للباطل، ثم أبدلوا الراء نونا فقالوا‏:‏ دُهْدُنٌّ، ومنه قول الراجز‏:‏

لأجعلَنْ لابنة عثم فَنَّا * حتى يكون مهرها دهدنا

أي باطلا، ويقال أيضاً‏:‏ دهدار بدهدار، أي باطل بباطل، وزعموا أن عدي ابن أرْطَأة الفزاري كتب إلى عمر بن عبد العزيز يخطب هندا بنت أسماء بن خارجة الفَزَاري، فكتب إليه عمر‏:‏ أما بعد فإن الفزاري لا ينفك والسلام، فلما قرأ عدي الكتاب لم يدر ما أراد، فبعث إلى أبي عُيَيْنة ابن المهلب بن أبي صفْرة، وكان عَلاَّمة، فأقرأه الكتاب، فقال له‏:‏ قد علمت ما أراد، قال‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ عَنَى قولَ ابن داره

إن الفَزَاريَّ لا ينفكُّ مُغْتَلِما * من النَّوَاكَة دُهْدَارا بدهدار

يقول‏:‏ باطلا بباطل، أي يأتي باطلا بسبب باطل، وكانت هند هذه تحت عبيد الله بن زياد، ثم زوجها بشر بن مَرْوَان حين قدم الكوفة أميراً، ثم تزوجها الحجاج ابن يوسف‏.‏

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر