دَيَنَ
(دَيَنَ) الدَّالُ وَالْيَاءُ وَالنُّونُ أَصْلٌ وَاحِدٌ إِلَيْهِ يَرْجِعُ فُرُوعُهُ كُلُّهَا. وَهُوَ جِنْسٌ مِنَ الِانْقِيَادِ، وَالذُّلِّ. فَالدِّينُ: الطَّاعَةُ، يُقَالُ دَانَ لَهُ يَدِينُ دِينًا، إِذَا أَصْحَبَ وَانْقَادَ وَطَاعَ. وَقَوْمٌ دِينٌ، أَيْ مُطِيعُونَ مُنْقَادُونَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكَانَ النَّاسُ إِلَّا نَحْنُ دِينَا وَالْمَدِينَةُ كَأَنَّهَا مَفْعَلَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُقَامُ فِيهَا طَاعَةُ ذَوِي الْأَمْرِ.
وَالْمَدِينَةُ: الْأَمَةُ. وَالْعَبْدُ مَدِينٌ، كَأَنَّهُمَا أَذَلَّهُمَا الْعَمَلُ. وَقَالَ:
رَبَتْ وَرَبَا فِي حِجْرِهَا ابْنُ مَدِينَةٍ ... يَظَلُّ عَلَى مِسْحَاتِهِ يَتَرَكَّلُ
فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ:
يَا دِينَ قَلْبُكَ مِنْ سَلْمَى وَقَدْ دِينَا
فَمَعْنَاهُ: يَا هَذَا دِينَ قَلْبُكَ، أَيْ أُذِلَّ. فَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعَادَةَ يُقَالُ لَهَا دِينٌ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلِأَنَّ النَّفْسَ إِذَا اعْتَادَتْ شَيْئًا مَرَّتْ مَعَهُ وَانْقَادَتْ لَهُ. وَيُنْشِدُونَ فِي هَذَا:
كَدِينِكَ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا ... وَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بمَأْسَلِ
وَالرِّوَايَةُ " كَدَأْبِكَ "، وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف: 76] ، فَيُقَالُ: فِي طَاعَتِهِ، وَيُقَالُ فِي حُكْمِهِ. وَمِنْهُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] ، أَيْ يَوْمِ الْحُكْمِ. وَقَالَ
قَوْمٌ: الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ. وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَهُوَ أَمْرٌ يُنْقَادُ لَهُ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: دِينَ الرَّجُلُ يُدَانُ، إِذَا حُمِلَ عَلَيْهِ مَا يَكْرَهُ.
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الدَّيْنُ. يُقَالُ دَايَنْتُ فُلَانًا، إِذَا عَامَلْتَهُ دَيْنًا، إِمَّا أَخْذًا وَإِمَّا إِعْطَاءً. قَالَ:
دَايَنْتُ أَرْوَى وَالدُّيُونُ تُقْضَى ... فَمَطَلَتْ بَعْضًا وَأَدَّتْ بَعْضَا
وَيُقَالُ: دِنْتُ وَادَّنْتُ، إِذَا أَخَذْتَ بِدَيْنٍ. وَأَدَنْتُ أَقْرَضْتُ وَأَعْطَيْتُ دَيْنًا. قَالَ:
أَدَانَ وَأَنْبَأَهُ الْأَوَّلُونَ ... بِأَنَّ الْمُدَانَ مَلِيٌّ وَفِيُّ ،
وَالدَّيْنُ مِنْ قِيَاسِ الْبَابِ الْمُطَّرِدِ، لِأَنَّ فِيهِ كُلَّ الذُّلِّ وَالذِّلِّ. وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ " الدَّيْنُ ذُلٌّ بِالنَّهَارِ، وَغَمٌّ بِاللَّيْلِ ". فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ:
يَا دَارَ سَلْمَى خَلَاءً لَا أُكَلِّفُهَا ... إِلَّا الْمَرَانَةَ حَتَّى تَعْرِفَ الدِّينَا
فَإِنَّ الْأَصْمَعِيَّ قَالَ: الْمَرَانَةُ اسْمُ نَاقَتِهِ، وَكَانَتْ تَعْرِفُ ذَلِكَ الطَّرِيقَ، فَلِذَلِكَ قَالَ: لَا أُكَلِّفُهَا إِلَّا الْمَرَانَةَ. حَتَّى تَعْرِفَ الدِّينَ: أَيِ الْحَالَ وَالْأَمْرَ الَّذِي تَعْهَدُهُ. فَأَرَادَ لَا أُكَلِّفُ بُلُوغَ هَذِهِ الدَّارِ إِلَّا نَاقَتِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.