جُرْحٌ
(جُرْحٌ) الْجِيمُ وَالرَّاءُ وَالْحَاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا الْكَسْبُ، وَالثَّانِي شَقُّ الْجِلْدِ.
فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ [اجْتَرَحَ] إِذَا عَمِلَ وَكَسَبَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} [الجاثية: 21] . وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ اجْتِرَاحًا لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، وَهِيَ الْأَعْضَاءُ الْكَوَاسِبُ. وَالْجَوَارِحُ مِنَ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ: ذَوَاتُ الصَّيْدِ.
وَأَمَّا الْآخَرُ [فَقَوْلُهُمْ] جَرَحَهُ بِحَدِيدَةٍ جَرْحًا، وَالِاسْمُ الْجُرْحُ. وَيُقَالُ جَرَحَ الشَّاهِدَ إِذَا رَدَّ قَوْلَهُ بِنَثًا غَيْرِ جَمِيلٍ. وَاسْتَجْرَحَ فُلَانٌ إِذَا عَمِلَ مَا يُجْرَحُ مِنْ أَجْلِهِ.
فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ: " قَدْ وَعَظْتُكُمْ فَلَمْ تَزْدَادُوا عَلَى الْمَوْعِظَةِ إِلَّا اسْتِجْرَاحًا " إِنَّهُ النُّقْصَانُ مِنَ الْخَيْرِ، فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَالَّذِي أَرَادَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ مَا فَسَّرْنَاهُ. أَيْ إِنَّكُمْ مَا تَزْدَادُونَ عَلَى الْوَعْظِ إِلَّا مَا يُكْسِبُكُمُ الْجَرْحَ وَالطَّعْنَ عَلَيْكُمْ، كَمَا تُجْرَحُ الْأَحَادِيثُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُرِيدُ أَنَّهَا كَثِيرَةٌ صَحِيحُهَا قَلِيلٌ. وَالْمَعْنَى عِنْدَنَا فِي هَذَا كَالَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ أَنَّهَا كَثُرَتْ حَتَّى أَحْوَجَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهَا إِلَى جَرْحِ بَعْضِهَا، أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.