كاتب(ة) : مصطفى رشوان
نافذتان
أحدق في ساعته الرملية، أُحلِّق حول سقف غرفته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، أراقب نمنمات قلمه على الورق الأصفر ودخان سجائره وقهوته السوداء الباردة، ملامحه أدركها التعب والإرهاق، كأنه يفكر طيلة الليل كيف ينهي تلك الرسالة.
يقوم و يسير بموازاة النافذة أذهب سريعا لاقتناص تلك الفرصة في محاولة لقراءة ما يكتب؛ أقلب الصفحات يسمع همس الورق يظنه تيار الهواء المنبعث من الشرفة يداعب أوراقه، يتجاهل تلك الحركة في بادئ الأمر ولكن شيء ما يؤرقه، يحاول تجاهله بالنظر في الفضاء البعيد، أعاود النظر في تلك الكلمات المكتوبة ربما باللغة اللاتينية.
أحاول ترجمة بعضها، لكن تبوء محاولتي بالفشل فقط جملة واحدة هي مافهمت "زوجتي الحبيبة مادلين إغفرى خطيئتي" تصيبني دهشة بالغة عندما أجد قارورة بها مادة سامة زرقاء و أشهق بصوت مسموع، أنظر ناحيته لكني لم أجده أذهب سريعا إلى جانب الشرفة المكان خالي الا من سماء زرقاء صافية أحاول النظر خارجا في كل مكان لكن دون جدوي، ليقع بصري من جديد على جسده المسجي البارد الذي لم يفارق كرسيه، أشعر بحزن عارم على هذا الرجل وتنتابني حالة غضب شديد، لكن فكرت للحظات وتساءلت ما الذي يجعل هذا الإرستقراطي عرضة لنوع من الإنتحار؟ أخانته زوجته؟! اخسر ماله؟! أمات له ابن حتى الرجل حين تتزوج ابنته لا يفكر في الإنتحار!!!
ترك رسالته الأخيرة لمادلين زوجته، وهذا دليل على ان المنتحر من هذه الطبقة كان متعلقا بأسباب الحياة، تمنيت وقتها أن يظل أمام تلك النافذة لأسأله عن سبب قدومه إلى ذلك الأمر راودتني الكثير والكثير من الأفكار، كرهت وقتها القهوة السوداء ورائحة التبغ وورق الكتابة الأصفر شيء ما بهذا المكان أصبح لا سبيل منه غير الهروب.
ربما كانت تلك الرائحة التي لا أعرف كنهها في المكان كأن شبح الموت أصبح مطبقا، أردت وقتها الخروج الهروب إلى مروج خضراء بعيدة كم كنت أحلم وأنا صغير بالجري ناحية الشاطيء في ساعات متأخرة من الليل حتى يتسنى لي رؤية أضواء الفنار كنت أحلق بخيالي مع طيور النورس كل ذات صباح فهمت أن الإنسان لا يشعر بحريته الا إن كان طفلا أو لحق به شبح الموت، أما هذا المكان أصبح قاتم بالنسبة لي؛ أقترب من النافذة لأفتحها ولكن ما حدث!! إنعكاس لصورة وجهي في مراياها هو نفس صورة ذلك الشخص المسجي جسده على المكتب، لأقف مكاني متسمراً ما بين حائلين نافذة الواقع، ونافذة عقلى المشتت.