بيتُ القراء و المدونين
  •  منذ 5 سنة
  •  1
  •  0

كاتب(ة) : شريف نجاح

تخترق النجوى ظمأ نخاع فؤادي

قصيدة وشرحها:

أغرق في الماء وأبترد
تخترق النجوى ظمأ نخاع فؤادي
بفضاء يحتدم سكوناً
وأناغي سلطان طفولة
يخترق برأسي الخيبة
ويرقيها زمن فحولة
وعلى أنس ملاءة عينين اتئدا شرفاً
يخترقان بنور العزّةِ
حَرّ جفولي وخمولي وتعاسات ظنوني
فأطير لألتقط من نجمات جمال قدسيٍ
في عينين اشتعلت أنسا شُرفيا
يعصرني الدود
وأنا عن كعبة عنب القلب أذود
وأنا كالقط الممدود المعقود
أتلفّت حولي ماء
أتسائل هل ثمة ماء ينجي من داء
السيف المختلج بقلبي يعتلجُ
لا يحسن قضم سواد الرقة
لا يحسن هضم جواد الرُفقة
ولا يتلفظ إلا بالخرقة
فالدود يعاجزهُ
فهل من ماء سيناجزه
أغرق فيه وأبتردُ
يخترق صراخ الحلوى جوعاتي
ويمططها يجعلها سفن براءاتي
ونسيم قصائد نسماتي
وعلى جلدي المقرور المحرور المضرور
يجعلها لحفا من تحنان بيات شتوي
جبار القفشات ... الفقشات

شرح القصيدة :

{أغرق في الماء وأبترد
تخترق النجوى ظمأ نخاع فؤادي
بفضاء يحتدم سكوناً}
الغرق يعني الاستغراق والاحتواء وطرد ما سواه مما يعاكسه، والماء طهر والابتراد لذة وشفاء وتسكين الحرارة المؤذية، وتأتي النجوى المؤنسة لتتغلغل داخل الظمأ و{تخترقه} تخترق العنيد الصلب المرواغ، كون النجوى هي أداة ري النخاع إذن النخاع القلبي مستوحش محتاج لنور الرفيق وإشراقة ضحكة مناغاته ، وكما في الغرق خلاص من الغير، كان الاختراق بفضاء يحتدم سكونًا ليس فيه ضجيج وهو فضاء ممتلئ محتدم بذلك السكون العميق الفسيح.
إن الاختراق يكون بشيئ رفيع ضيق، ولو كان المخترق شعاعًا فلابد وأن يكون بخيوط أو خطوط، ولكن الاختراق هنا كان بفضاء فسيح مما يعني سهولة المعالجة والتلقي ونقلة نوعية فيهما، كون الاختراق بشيئ يفيض سكونًا ويفيض في القلب سكونًا يفيد أن المعالجة لم تكن بمغايرة داخل القلب، وإنما بنقل القلب لجو آخر وتنمية فيه وتخليق النجوى الهادئة الخافتة تخترق بلطف وتسرب وتَشَرُّب، هذه النجوى بصرية لأنها تخترق بفضاء كونها نجوى تعني خصوصية اللغة والمحادثة.


{ وأناغي سلطان طفولة
يخترق برأسي الخيبة
ويرقيها زمن فحولة}
سلطان الطفولة ليس سلطانًا عليّ لأنني أناغيه، وتسلطه وحكمه المحكم وإزاحته لما يخالفه إنما هو ضد الخيبة التي في الرأس.

الطفولة انطلاق وعفوية وبراءة وحب وتواضع وفرح بالعطايا لا مجرد قبولها، كل هذا وغيره يجعل الرأس في أفضل حالاتها حتى ليرقي الخيبة زمن فحولة، إن تمام الفحولة أن تذَرَّى وحشيتها برقة الطفولة.

واختيار لفظة زمن يناسب الراس حيث أن الراس تتغذى على ولائم الذكريات وفواكهها.

{وعلى أنس ملاءة عينين اتئدا شرفاً
يخترقان بنور العزّةِ
حَرّ جفولي وخمولي وتعاسات ظنوني
فأطير لألقط من نجمات جمال قدسيٍ
في عينين اشتعلت أنسا شُرُفيا}
إن العينين كالماء المستغرق والفضاء الوسيع كالسلطان الحاكم المتحكم، ليسا مجرد عينين أتطلع إليهما وإنما أنسهما ملاءة عليها يكون المجلس وتحوط هي الجالسين، إن الملاءة لا تعني انخفاض العينين وتضعضعهما، وإنما تعنى الملاءة الاكرام وتعني رقة الملمس، إنعام ونعومة معا، لأنهما (اتئدا شرفا) فهما غير متهوكتين متلهفتين؛ لأنهما "يخترقان بنور العزة" لا بظلمة اللهفة، إن العزة عند الناس فيها ما فيها من ظلمة التعالي الظالم غير الحق وغير الحقيقة، وتكون منفرة، لكن العزة هنا لها نور مشوّق.

إن العزة عند الناس تخيف وترهب أو تبعث على الهيبة على أقل تقدير، ولكن نور العزة هنا يخترق الجفول، إن العلو الشريف الجميل هنا يبعث الشوق الفطري للقدس فأطير، "فأطير لألقط من نجمات جمال قدسيٍ في عينين"


إن النور يكون للبصيرة ولحركة الحياة، فهو إذ يخترق إنما يخترق ما يعاكسهما، فالجفول إنما هو ضد الحركة هو ضعف عن الحركة كما أنه ضعف البصيرة عن التنبه لروائع المشوقات،وتعاسات الظنون إحباط حركة وإحباط إدراك.
اشتعلت أنسا شُرُفيا.. إن الشرفات هنا علو ومنعة، يتكون منها الأنس القريب المتواصل ،وتلك حالة عزيزة.


{يعصرني الدود
وأنا عن كعبة عنب القلب أذود
وأنا كالقط الممدود المعقود
أتلفّت حولي ماء
أتسائل هل ثمة ماء ينجي من داء}
الكعبة هي التوازن وواسطة عقد النظام، وحياة القلب إنما هي بالحلاوة (العنب)، إذ الروح حلوة وهذا ما يعبر عنه العامة حلاوة الروح، فكعبة هذه الحلاوة مهدّدة بتغلغل الدود وإماتته بموت يجعلني ممدود معقود، وذكر القط هنا كناية عن القدرة الهائلة على رشاقة الحركة المكبوتة والمعقودة حتى أتلفت والماء حولي أرجو من يأتيني بالماء.
السيف الذي يغذّي قلبي ويذود أيضًا عنه غير رشيق، وإنما هو معتلج لا يحسن هضمًا أو قضمًا لما يحتاجه القلب من الرقة والرفقة، إنه لا يلبس المعاني لباسًا تزدهي به وإنما مجرد خرق، السيف يعاجزه الدود فأعود لأشتاق الماء والحلوى، بل صراخ الحلوى كمضاد لصراخ الجوعات ومحول لها إلى وسيلة براءة بدلًا من قساوة الشراهة والدناءة، أما حر الجوعات فتحيلها لنسيم قصائدي الخاصة بالنسمات.
وتختم القصيدة بتعويض عن حالة القط المعقود الممدود، بالممدود تحت لحف من تحنان،
وتعويض حالة من لا يطول الماء، وهو حوله بجبروت قفشات وطول وفقشات وحول ولذاذات فيهما، وذلك هو سر مجيئ لفظة{جبار}.

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر
هذا المقال لا يعّبر بالضرورة عن رأي شبكة لاناس.