كاتب(ة) : شريف نجاح
تناقضات الإنسان كما تبينها سورة يوسف
نلاحظ في قصة يوسف عليه السلام القبول بتناقضات الانسان وقبول اقتران الخير والشر في شخص واحد، وأن الشر العارض مهما كان قدره لا ينفي الخير الأصيل فيه وأن الشر الأصيل لا ينفي الخير الأصيل أيضا.
فإخوة يوسف عليه السلام هم الذين كذبوا على أبيهم وفكروا في قتل أخيهم، ثم عذبوا أباهم ذلك العذاب الأليم، لكن السورة تحكي حرصهم على مشاعر أبيهم وخوفهم على حزنه لدرجة أن يعرضوا أن يكون أحدهم مملوكا حتى لا يحزنوا أباهم.
(قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ).
كما يلاحظ أن اتهام يعقوب عليه السلام لهم، سواء الاتهام الصادق أو الاتهام الذي أخطا فيه لم يمنعه من إدراك حدبهم عليه، وانهم يرغبون في عودة الأخوين مع أنهم في اعتقاده، هم الذين أقصوهما وتلك إحدى روائع النبوة.
(يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) فمن النص نفهم أن عدم تمكنهم من إيجاد يوسف وأخيه سيشعرهم بشعور سلبي هو اليأس.
ونفس القضية نلاحظها في امرأة العزيز، فبعد أن سجنت يوسف عليه السلام ظلما كانت حريصة على إظهار عدم خيانته:-
(قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ).
ومن ذلك نفهم أن الشر في الانسان قد ينتهي بانتهاء دوافعه وأنه ليس كالشيطان اللعين ولا كأئمة الكفر ورؤوس الضلال {وإذا خلوا إلى شياطينهم } أي من الانس.
باستثناء الحالات التي أخبر الشرع أو أفهمنا أو أفهمتنا خبرتنا بالنصوص والايمان والبصيرة أن أصحابها نزعت من قلوبهم الرحمة ولا أمل في هدايتهم.
ونستفيد من خطأ اتهام يعقوب لبنيه في المرة الثانية، أن هناك نوع من الناس لا يكررون أخطاءهم، وليس كل من فعل خطا نتهمه به إذا تكرر دون بينة وإن كان الشك فيه مشروعا.
والله أعلم