كاتب(ة) : تريعة شهيناز
لعبة الحياة
العلم في تطور مستمر، وفر للإنسان كل سبل الراحة والرفاهية في كافة المجالات: كالصحة، والتعليم، والانترنت وغيرها..
ولكن.. لم يستطع أن يوفر له السعادة، أصبح الإنسان كسولا، لا يعتمد على نفسه، يوجد لكل آلة دور تقوم به .
في الماضي.. رغم بساطة الوسائل، كنا نعيش حياة جميلة، نشعر بطعم الفصول، ورائحة الزهور، كان هناك طعم حقيقي للحياة، كانت الأسرة مترابطة فيما بينها كالجسد الواحد، لم يكن لدينا تلفزيون أو تليفون، ولكن.. كان لنا الحب والنية الخالصة، ومساعدة الفقير، كنامستقريين وسعيدين؛ لأننا كنا مع بعضنا، تجمعنا الضحكات والسهرات.
كان الأب يأتي من عمله بمصروفه الزهيد، ولكن يطرح الله بركته في هذه العائلة، وبذلك المصروف القليل تطهى أشهى الأطباق رغم بساطتها، ولكن نشعر عند تناولها بطعم"الدفئ الأسري"، ولا ننسى الجار بطبق صغير، ليس الهدف منه إطعامه، بل أن نجعله كفرد من العائلة، إذا واجه فرد من قريتنا مشكلة، ستكون مشكلتنا جميعا، سنحاول إيجاد حل لها بالحكمة والتعقل، و إذا أقيم فرح لفرد من القرية، سنساهم ولو بالقليل.
نحن لا نهتم بالشكليات، ولا تغرينا الأموال.. بل الرمزيات، نقيس الرجل من شهامته ومواقفه، لا من أمواله ونفوذه ونسبه.
أين ذهبت قيمنا؟ لماذا أصبحنا نهتم بحصد اللايكات؟ لماذا نهتم للمظاهر والنفوذ؟
لماذا فقدنا ترابطنا؟
نعيش في عالم كالغابة، أنت الخروف الذي تترصد به الذئاب، أين ذهبت الرحمة والإنسانية؟
اشتقت لأيام الزمن الجميل، صرت أنظر لألبوم الصور وأقول آآآه لو تعود هذه الأيام، أصبح الفقير منبوذا، ينام جائعا بردانا، وأنت في بيتك شبعان، وتنام في سريرك بغطائك الحريري، وترمي فائض أكلك في سلة النفايات، وغيرك يتمنى لقمة خبز، أين هي الرحمة؟ ألم يوصيكم خير الأنام بالفقراء؟
للأسف لم نعد سعداء؛ لأن الحياة أغرتنا، ولعبت بنا كيف ما تشاء، وأنستنا مبادئنا وقيم ديننا الإسلامي، نحن العرب لم نستغل هذا التطور لصالحنا، بل زاد من شتاتنا وضياعنا وانحطاطنا وتخلفنا، لم يعد يشعر الأخ بأخاه، كل شخص يعمل لمصالحه الشخصية، لا أحد يفكر في الاخر، أعمت عيوننا الأنانية واللامبالاة.
أصبح كل واحد منا يهرب من واقعه، وينشئ موقعا افتراضيا لنفسه، يبني شخصية غير شخصيته، نعيش غرباء حتى في بيوتنا، كل شخص يمسك هاتفه ويقضي ساعات معه .
نتأسف لهذا الحال..أصبحنا نعتمد على المهدئات للنوم، نعم.. لقد تغيرنا، وفقدنا طعم الحياة الحقيقي، أصبحت المبادئ شعارات لا غير، حتى غابت عنا، إلى متى نبقى هكذا؟ ألم يحن لنا أن نخرج من هذه الوحدة والوحشة والظلمة؟
اشتقت تناول قطعة خبز مع العائلة والأقارب.
هل أنتم سعداء؟ أصبحنا نبحث في (جوجل) عن مفاتيح السعادة؟ أو ماهو طعم الحياة؟
عندما أشاهد كرتون فيه عائلة ملتحمة، يراودني إحساس مؤلم جدا.
صدقوني.. الحياة لا تستحق منا أن يقتل بعضنا البعض، أو نتخاصم، أو نبتعد عن بعضنا، فهي مجرد امتحان سينتهي يوما ما، ستكون ناجح أو راسب، فلنراجع أنفسنا.. وعلى كل واحد منا أن يتدارك أخطائه، فالإعتراف بالخطأ فضيلة.
أصبحنا نعيش في عالم انتشرت فيه المخدرات وجرائم القتل والإغتصاب، نحن نبحث عن الأمان والاستقرار والسعادة الحقيقية وعيش كريم، صدقوني ليست أماني مستحيلة .
أنت أيها الشاب أو الفتاة.. احلموا، واطمحوا حتى ولو في هذه الظروف، فهذه الظروف القاسية تزيد من قوتكم وعزيمتكم؛ لتحقيق أحلامكم، فأنتم سواعد البناء لبلدانكم، وأنتم سفراء للدين الإسلامي، فمثلوه أحسن تمثيل، دعونا نفخر بأنا عرب مسلمين، لا تتخاذلوا، ولبوا ندائي، فأنا أكتب كلماتي بحرقة وغصة إلى الحال الذي أوصلتنا له لعبة الحياة.
عندما أقرأ كتب التاريخ، وأمجاد الأسلاف كالحضارة العباسية والعثمانية، أغبط هؤلاء؛ لأنهم عاشوا في هذا الزمن، وساهموا في بناء حضارات خلدها التاريخ عبر العصور، ثم أقول في نفسي لما لا نستعيد هذه الأمجاد؟
أما آن لنا أن نستفيق من هذه العتمة؟ فحتما هناك بصيص أمل، تشبتوا به سيقودونا حتما لضوء الشمس الذي يقودنا لبر الأمان.
حقا.. أنا تعبت من لعبة الحياة، لن نستطيع مواجهتها إلا بالإتحاد، فلنفتح صفحة بيضاء تكون بداية جديدة، تحمل مستقبلا أجمل، نستعيد حلاوة الأيام الجميلة، لا يوجد شيء مستحيل؛ لأن هناك شيء يسمى إرادة، فلنتصالح مع أنفسنا، ولنكتب تاريخا جديدا لنا، دعوا أسماءكم تخلد عبر العصور، اتركوا بصمتكم في الحياة.