بيتُ القراء و المدونين
  •  منذ 5 سنة
  •  2
  •  1

كاتب(ة) : علي البدوي

الفراغ وحالة الإبداع مع الذات

إن الطبيعة البشرية هي طبيعة اجتماعية واندماجية، ولابد لها أن تتعايش ضمن إطار مجتمع ومجموعات من الأفراد، وجماعات مختلفة التوجيهات وفق التكوين والتركيبة الإنسانية والعقلية والفكرية في التأقلم والتعايش مع المحيط، والمشاركة في الحياة البشرية.
وحسب ما نشره علماء السلوكيات البشرية وعلم الإجتماع العام من دراسات وبحوث علمية، بأنه لا يمكن للإنسان أن يعيش دون مجتمع أو دون أفراد؛ حيث انعزاله عن المحيط يسبب له تاثيرات سلوكية ذهنية في العقل والفكر، وتؤثر أيضا على حالته الصحية بشكل عام.

أسرة ليبية تعيش في قرية بالجبل الغربي، عاشت حالة من الانعزال التام عن المجتمع؛ بسبب هجرة أهالي القرية لمدينة أخرى تحت سفح الجبل؛ لانعدام الخدمات العامة التي تشجع على الإقامة والتعايش، من صحة وتعليم وحركة تجارية، وصعوبة المعيشة في غار، حيث كانت تتخذها القرية مسكنها، والكل كان يسكن في غيران، وهي عبارة عن بيوت منقورة في صخور الجبل.


السؤال هنا: هل ستقاوم الأسرة هذا الانفصال عن المجتمع؟ هل ستثبت لنا التجربة الواقعية حالة جديدة من الإنفصام الإجتماعي ومدى تأثيراتها على الأسرة والسلوك العام للفرد؟ أم ستكون الحالة إيجابية وتجربة مميزة بالانعزال عن المجتمع؟


عاشت الأسرة 15 سنة في حالة الانعزال التام عن باقي المجتمعات، وفق ما فرضه الواقع ولا زالت على حالها، كانت حالة من الفراغ الاجتماعي والتواصل البشري، أيقنت الأسرة بأنها أمام مسلمات للتعايش والتأقلم مع نفسها بنفسها.


الزوجة: التزمت بطبيعتها البدوية، وتربيتها الجبلية في مقاومة الصعاب دون عناء أو تذمر نفسي، بل تأقلم غير طبيعي؛ لأن هذا هو الواقع والمحيط لكل المجتمعات التي تعيش في الجبال والصحراء في تربية أبناءها، واهتمامها بشؤون مسكنها بسعادة غامرة بالفرح والسرور.


الزوج: اتخذ طريقا لنفسه بقراءة الكتب التاريخية والأدبية والعلمية، وكان يأتي إليه أصدقاءه من المناطق البعيد للتسامر معه عند المساء من حين لآخر، وكانت السهرات تشع سعادة وبهجة على الجميع من أحاديث وضحكات تسر الحاضرين، وأصبحت له مشاركات أدبية وصحفية من خلال الفراغ الذي فرض عليه بالكتابة وسرد يومياته بشغف كبير .


أما الأبناء.. وعددهم ثلاثة، فكانت لهم أحلام أخرى في ملء الفراغ..

أحدهم: سلك طريق الثقافة والأدب والقراءة، فكان له أسلوب مميز في الحديث، وأساليب الاقناع التي تتطلب مدرسة خاصة في أساليب الحوار.
أما الابن الثاني: فتعلم بالسمع الموسيقى، فاشترى آلة العود، وتعلم العزف دون معلم، وتطورت مواهبه، فأصبح عازف على كل الالات الموسيقية؛ بسبب فراغ المحيط.
أما الابن الثالث: فتعلم الشعر الشعبي ( العامي )، وبحور المقامات الشعرية، وكان له اطلاع كامل على كل الشعراء في ليبيا.


نعم..إنها حالة فراغ، ولدت من خلالها ابداعات مختلفة، أدبية، وموسيقية، وصحفية وشعرية.. يبدو أن الإنسان لا يتأثر سلبا بالفراغ والمحيط وفق ما ذكره علماء الاجتماع العام.
إن الفراغ هو مدرسة المراجعات مع الذات، واختيار الطريق للعيش والتعايش معا، سلبا او إيجابا.

قم بتسجيل الدخول لكي تتمكن من رؤية المصادر
هذا المقال لا يعّبر بالضرورة عن رأي شبكة لاناس.
نور أبوعودة 

المقال رائع جداً