كاتب(ة) : هاجر خالد محمد
قصة قصيرة بعنوان...روح تشهق
كادت أنفاسها أن تتوقف ، تحول وجهها للون الأزرق ، تحاول التنفس بكل ما أوتي لها من قوة ، ولكن.. لا جدوي ولا فائدة ، تمنت لو تنفست نفسا واحدا ؛ لتستريح من عذابها ولو لثوان ، كم هؤلاء أغبياء! ، كيف لا يحمدون الله على هذا النفس الذي لاتجده الآن؟.أيقنت أنها النهاية ، حاولت النطق بالشهادة ، تستجمع كلمات الشهادة لتنطقها ، ما هذا؟.. لا تستطيع ، تريد اللحاق قبل أن تزهق روحها وتصعد إلي بارئها ، فترفع السبابة لأعلى وترجع بصرها لكل من حولها ؛ لتودعهم بأخر نظرة لها وهي علي سرير إحدي مستشفيات الولادة.
من بين هؤلاء أختها التي لم تتحمل الموقف ، فتنهار وتصرخ بأعلى صوت لها: أنقذوا أختي.
تجري في كل الاتجاهات كالغارقة في بحر عميق ، كالتائهة لا تعرف الطريق ، تتخبط في الأشياء ، وفي الناس ممسوحة الأفكار ، عينيها تغشاها ظلمة الضياع.
تتمسك بالطبيب كتمسك الظمآن بالماء ، والعليل بالدواء ، وتصرخ في وجهه :
- أنقذ أختي ، لا تقف هكذا.. أختي تموت.
- الطبيب بكل برود: هذا من أثر العملية القيصرية ستفيق الآن ، لا داعي للقلق ، هذا من أثر البنج.
- أقول لك أنها تتشهد الآن ، ماذا تقول ؟... لأيمان الله إن لم يتم انقاذها لأشعل المشفي بكل ما فيها ، وما يكفيني فيها العالم بأسره.
وهنا يشعر الطبيب بالخوف ويخرج من سكينته المستفزة، بحيث لا يحرك ساكنا عندما يري مريضة تحتضر ، قمة اللانسانية التي توجد كثيرا في كل مكان ، ويسرع بإحضار اسطوانة الأكسجين ، وعند ذلك تهرول لأختها التي في اللحظات الأخيرة ، وتشعر بأن العالم ينهار أمامها ، وقلبها يتسارع كأنه في سباق مع الزمن ، تخاف أن تفقد أختها الوحيدة إلى الأبد ، وتتذكر صور الطفولة ، كم كن لا تفترقان في كل أحوال الحياة ، حتي في النوم تلتصقان كأنهما خائفتان من مجهول قادم ، و بعد الزواج لا يمر يوم دون أن تريا بعضهما ، نعم كما يقولون روح في جسدين ، إذا ذبلت واحدة تذبل الأخرى ، هكذا كان شعورهما.. تفرحان معا ، تشقيان معا، تتقاسمان أحداث الحياة بكل ما فيها من وجع وفرحة وألم.
تتذكر حين دعت الله أن تقوم لتصلي الفجر ، بالفعل عند الفجر تجد أختها توقظها برعب
- ما بك يا أختاه؟
- رأيتك في المنام بصورتين: واحدة تبتسم لي وتوقظني لصلاة الفجر ، وعندما نظرت بجانبي وجدتك نائمة بجواري ، وهنا اهتف لها من أنت إذن ؟ قالت جئت لأوقظكما لصلاة الفجر.
- لا تخافي فقد دعوت الله أن يوقظني لصلاة الفجر ، وهذه ملاك جاءت توقظك لتوقظيني.
وكم كانت تتألم حين تتذكر كيف كانتا تقضيان أيام الأجازة المدرسية معا في حجرة مظلمة!، تتحدثان وتثرثران بأحاديث ليس لها قيمة غير أنها تشعرهما أنهما ما زالتا على قيد الحياة ؛لمنعهما من الخروج من المنزل أثناء الأجازة ؛ للخوف عليهما من قبل أمهما ، فقد كانت تخاف عليهما خوفا مرضيا من كل شئ ؛ وذلك لفقدها أبناء قبلهما ؛ فضيقت الخناق عليهما في الخروج من المنزل.. إلا إلى المدرسة ، وبعد ذلك الجامعة ، فكانت كل واحدة منهما تمثل حياة للأخرى .
وهنا تترقرق عيناها بالدموع على أختها الراقدة التي لا تعرف لها مصير.
وتفيق من الذكريات لتدخل في كابوس مزعج ، وعند إحضار الأسطوانة وتركيبها تبدأ أختها تلتقط أنفاسها التي كادت أن تغيب رويدا رويدا ، وإذا بقلبها يكاد تتكسر ضلوعه من السعادة بعودة أختها ، بل نصفها الآخر للحياة ، وتحتضنها والدموع تغرق وجهها من الفرحة ، فتسجد شكرا لله : على فضله ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.