كاتب(ة) : المهدي فنطاز
العمل السياسي بين تعزيز الإصلاح و مخاطر التبخيس
الهدف العام :
- التشخيص لأجل تحديد و تعزيز سبل الإصلاح و مواجهة مخاطر التبخيس.
الأهداف الفرعية :
- تحديد سلبيات و إجابيات العمل السياسي الحالي في ظل تطور الأحداث داخليا و خارجيا.
- تقييم و تعزيز السبل الكفيلة لمواجهة مخاطر التبخيس من دور المؤسسات السياسية في مجتمعنا المغربي.
مضمون المقال :
بقطع النظر عن تباين أشكال الأنظمة السياسية في الوطن العربي يبدو أن نقطة الالتقاء الأساسية تتمثل في سؤال الديمقراطية، التي تعد ليس فقط نموذجا نظريا لضبط نطاق الفعل السياسي بل كذلك إطارا جامعا لفلسفة السلطة التنفيذية ومنطلقات التدبير.
وإذا كانت التنمية في البلدان العربية لا تزال مطلبا وغاية، فإن ركنها الأساسي يتمثل في سندها السياسي المجسد في الديمقراطية كأساس و مساهم إستراتيجي. وهو واقع ما انفك يراوح مكانه في الوطن العربي الذي لم يحسم أي من مكوناته بعد في الديمقراطية نهجا وتمثلا.
وفي هذا السياق، يعد موضوع الفعل الحزبي في المغرب كمثال شاخص لمسألة الديمقراطية ليس فقط كإشكالية متصلة بتضارب التصورات وتباين التمثلات واختلاف أشكال التفعيل بل كذلك كصيرورة ممتدة تاريخيا ومؤسساتيا.
و نجدها كالآتي :
بتأمل طبيعة الفعل الحزبي في المغرب منذ الاستقلال إلى الآن يلاحظ هيمنة منطق التشرذم و التفكك والانشقاق بدل الاتجاه نحو الانصهار أو التكتل.
يظل التساؤل عن الحزب السياسي في المغرب بالأساس تساؤلا عن طبيعة النظام السياسي، إذ لا يمكن منهجيا تحليل مواطن الخلل في الفعل الحزبي أو مظاهر التعثر في الممارسة الديمقراطية داخل البناء الحزبي دون استقراء الأساس الإستراتيجي المهيكل لهذا السلوك متمثلا في جوهر السلطة السياسية.
فالاختلاف حول مضمون السلطة السياسية وصيغ الوصول إلى ممارسة تكتسي بعدا ديمقراطيا، والتباين حول الاختيارات الإستراتيجية في مغرب الاستقلال ظلت عقبات متواترة في تحقيق التوافق السياسي بشأن المنطلقات والأهداف ومن خلالها الوسائل والآليات، مما تولد عنه توتر مستمر بين مكونات الطبقة السياسية تبعا لمراحل تطورها وترتيبا على طبيعة تفاعلاتها.
وشكلت طبيعة السلطة السياسية في هذا الخضم محددا محوريا في تطور الحياة السياسية في المغرب، إذ لا يقابل تصورات المعارضة الحزبية لآليات تحقيق الديمقراطية إلا تمثل مؤسسات الدولة لدورها المركزي في تحديد قواعد اللعبة السياسية وضبط المجال السياسي بشكل يجعل السلطة السياسية مغلقة في حقيقتها، لاتصالها بآليات لإضفاء الشرعية ترتكز على البنيات التقليدية للحكم في محدداتها التاريخية و التراثية والسياسية و الدينية التي ترتهن بها أشكال "التحديث السياسي" في إطار مفهوم الملكية الدستورية الذي لا يمكن استحضاره إلا داخل النسق السياسي المغربي ووفق الضوابط التي حددت معالمها المؤسسة الملكية في سياق تعاملها مع المسألة الديمقراطية، و يمكن في هذا الصدد الارتكاز على محددين محوريين يتجسدان في مركزية مؤسسات الدولة وتمثل الوظيفة الحزبية.
فقد جعلت هذه المؤسسات من التعددية الحزبية مبدأ دستوري ثابت يلخص مراهنتها على واقع سياسي تعددي ينسجم مع طبيعتها الحاكمة و التحكيمية أولا، ويجسد ذلك في "الانتصار" السياسي الذي حققته هذه الاستراتيجية في صراعها المضمر أو المكشوف مع المكونات الحزبية التاريخية.
وتجد التعددية الحزبية في المغرب ترجمتها الدستورية في البند الثاني من الفصل الثالث من الدستور الذي ينص على أن "نظام الحزب الوحيد غير مشروع"، كما أن الفصل التاسع يشدد في بنده الثالث على حرية جميع المواطنين في تأسيس الجمعيات والانخراط في أي منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم.
و نظرا لكون بعض الانحرافات السياسية و اللغة التي أصبحت متداولة بين قياديين و منتخبين و منتمين لأحزاب سياسية "الشعبوية" إظافة إلى الحديث بلغة المجهول و التسابق نحو اعتلاء المنصات و استعراض القوة التي هي بالأساس للمواطن الناخب، نجد أن التبخيس من الأحزاب و المؤسسات أصبح شيء عادي في وقتنا هذا و هو الأمر الذي وجب التغلب عليه عبر محاربة الظهور السياسي الموسمي أو عند أحداث قد تقع بين الفينة و الأخرى، كذلك هناك مسألة الإبقاء على نفس الوجوه و عدم التداول في مراكز القيادة و التمثيلية و القرار لما من شأنه عزوف الراغبين في المساهمة و التطوع و العمل على النهوض بصورة الحزب كمشروع قائم على أسس و مبادئ أولها خدمة الوطن بمؤسساته و المواطنين عبر تفقد أوضاعهم و استقراء حاجياتهم و الإبقاء على نفس المسافة طوال مدة عمل المنتخب و السياسي بشكل خاص و جعل الباب مفتوحا أمام المقترحات و حتى الانتقادات التي هي أساس التقويم.
لكن و بكل شفافية و مصداقية التصور و الرؤية المستقبلية للعمل السياسي في مغربنا الحديث، نجد أن التبخيس من شأنه الضرر بمستقبل الشأن العام و بالتالي فهو يضر بالأساس المواطن و عبره استراتيجيات العمل المتبع من طرف مؤسسات الدولة و التي هي نتاج لديمقراطية صرفة ساهمنا كناخبين فيها و بالتالي لا يمكن تبخيس دورها بقدر ما يمكن تقويمها و معالجة أخطائها بشكل يتطابق و روح الدستور المغربي و القوانين و المراسيم الجاري بها العمل كحد سواء.
استنادا على ما سبق ذكره و لتعزيز الإصلاح الداخلي للشأن السياسي و الحزبي، أصبح من الضروري ترتيب البيت الداخلي للأحزاب السياسية ضمانا لبقائها كفاعل سياسي و مدني لتلعب بذلك دورها الدستوري في تخليق و تجويد الشأن العام خدمة للوطن و للمواطن المغربي بغض النظر عن انتمائهم السياسي و الإديولوجي و الثقافي و حتى الجغرافي، و يبدأ ذلك بتعزيز مبدأ الرأي الحر و هيكلة المكاتب المحلية و الفرعية و الجهوية ديمقراطيا لتفضي بذلك لنخب و قيادات قادرة على تمثيل قواعدها بالشكل المطلوب على أساس ربط المسؤولية بالمحاسبة على جميع المستويات الهيكلية.