كاتب(ة) : إبراهيم نصر الله
أحببتِ طفلا عاصفا
أَحببتِ طفلًا عاصفًا
لم يستمع لجدَّةٍ ولا وصايا الوالدَين..
والبَلدْ!
ولا وصايا بعضهِ لكُلِّهِ
ولا وصايا كلِّهِ لبعضهِ
ولا وصايا القشِّ والزَّبدْ
ولم يعُدْ من لَـهْوِهِ
حينَ رأى مِنْ حولِهِ
أبناءَهُ.. البنت والحصان والرياح والولدْ!
أحببتِ طفلًا صاحبَ الذئابَ في كهوفِها
وسابقَ الرياحَ للمدى
وعاشَ كالسّؤالِ
لا الإجاباتُ التي قيلتْ له شافيةٌ
ولا وعُودُ الحُلْمِ والأبدْ
أحببتِ طفلًا طائرًا تزوَّج الفصولَ كلَّها
وعلَّم الطيورَ من كتابهِ
سماءها.. أسماءها..
والحُلْمَ قبل الحرفْ
وحينما استوى جناحُها ورفرَفَتْ في بحرِ ذاك الصيفْ
ما همَّهُ، ما دامَ أولًا في الطَّيرِ
أولًا في الحبِّ،
أن يكون ثانيًا أو ثالثًا في الصَّفْ!
أو قبلَ مَنْ لم يكتشفْ جناحَهُ،
أو بَعدْ
أحببتِ طفلًا لم يَبعْ حصانَهُ
وحينما تكسَّرتْ رماحُهُ صارَ الرِّماحَ كلَّها
وحينما انحنى سواهُ للطُّغاةِ
عضَّ جُرحَهُ العميقَ وانحنى للورْدْ
أحببتِ طفلًا في جنينَ مرةً
وفي ضواحي القدسِ مرتينِ
في حيفا ثلاثًا، أربعًا في الّلدِّ، ربما، أو في صفدْ!
وكلّما حسِبتِهِ أتى.. وصحتِ: إنه أتى
ابتعدْ!
أحببتِ طفلًا مرًّة في نَجْدْ
أحببتِهِ في كلِّ منفًى فاضتْ المراثي فيهِ مُرَّةً
وقُتِّلتْ فيهِ طيورُ الرَّعدْ
أحببتِ مَن لم تحرقِ النيرانُ روحَهُ على مواقدِ الشتاءِ
أو مواقدِ الخريفْ
وعاشَ مثلَ طائرٍ
على أعالي السَّروِ ألفَ مرَّةٍ
ومرةً في اليدْ!
أحببتِهِ ستينَ مرةً
وكلّما أصابَ قُلتِ: عاشقي!
وكلّما أخطأَ تَمتَمْتِ: اجتَهَدْ!
أحببتِ طفلًا تعرفينَ أنّهُ:
قد كانَ في هواكِ واحدًا
وأنتِ فيه الواحِدةْ..
وفي سواكِ، كالترابِ والأمواجِ، ما لهُ عددْ!
أحببتِ طفلا حالِـمًا..
كالأمسِ
نازفًا..
كاليومِ
غامضًا..
كالغَدْ!