أهمية السلام في المجتمعات الإنسانية
يعتبر السلام شرطا من شروط التعايش بين البشرية جمعاء كونه ينقض صفات العنف والكراهية والخصام التي تخلق الحروب الإنسانية، وقد تطور مفهوم السلام عبر التاريخ الإنساني من العشيرة إلى المجتمع القبلي إلى المجتمع المدني العصري؛ حيث توضع المواثيق والعهود للتفاهم والتنسيق في كل العلاقات البشرية في مجالات عدة كالسفريات والرحلات والتجارة، ولما تطور المجتمع وصار على شكله الحضاري العصري نشأت جمعيات دولية ومنظمات حكومية وعالمية على رأسها هيئة الأمم المتحدة لتعزيز دور السلام الاجتماعي ونبذ الخلاف والنزاعات الدولية، وأصبح السلام مطلبا عالميا حتميا لتحقيق التعايش الدولي والصداقة بين الشعوب وضمان مبدأ الحرية للجميع ونشر قيم التعايش والتسامح بين أفراد البشر على اختلاف أعراقهم وأشكالهم وألوانهم في شتى المجتمعات.
فما هو إذن السلام الاجتماعي؟ وما هي خصائصه؟ وما هي مقومات ومضامين بنائه ؟
1- التعريف بالسلام الاجتماعي.
السلام الاجتماعي يعني غياب كل مظاهر العنف والقهر والخوف في المجتمع، والسلام لا يعني فقط غياب الحرب كما أنه ليس فقط ظاهرة سياسية، ولكنه يعبر عن عملية اجتماعية لها العديد من المستويات، والتي تتضمن السلام على مستوى العائلة، وعلى مستوى المجتمع، ثم على المستوى الإقليمي والدولي أيضا، كما يتناول أيضا السلام الداخلي، أي السلام مع النفس، وهذا النوع ضروري من أجل خلق عالم سلمي، فالسلام الاجتماعي إذا هو حالة من الوئام والمصالحة بين جميع المكونات السكانية، والقوى الاجتماعية بين البوادي والحواضر.[1]
2- خصائص السلام الاجتماعي
ثمة خصائص عامة يتمتع بها السلام الاجتماعي في المجتمعات الإنسانية، لا سيما تلك التي تتسم بصفة المجتمعات المركبة، وهي تتمثل في:
·كون المجتمعات المركبة، التي تتوزع فيها شرائح المجتمع إلى فئات متنوعة قوميا وإثنيا ودينيا، تشكل وحدة قياس لتقييم وتشخيص حالة العلاقات الداخلية للمجتمع ذاته.
·كون الثقافة السائدة في المجتمعات تؤدي دورا بارزا في الدفع باتجاه الاندماج القومي من عدمه، ذلك أن المفاهيم الأساسية من قبيل الانتماء والمواطنة تعد حجر الزاوية ضمن أساس البنيان المبتغى للمجتمعات المتماسكة.
·كون الاستقرار السياسي الاقتصادي السائد في الدولة، ركنا مهما من أركان وخصائص المجتمعات الهادئة التي تتكرس فيها حالة السلم المجتمعي، إضافة إلى ارتكازها إلى قوة القانون، والنظام، والضبط العام.
·كون التركيبة الأساسية للمجتمع، ونوعية التراتبية السائدة فيه أفقيا تؤدي دورا بارزا في تحديد أبعاد الدور الناتج عنه، ونطاق الأفعال في تقرير مدى تدعيم ظاهرة السلم المجتمعي فيه من عدمها.
·كون التنشئة الاجتماعية للفرد ضمن البيئة الاجتماعية المصغرة "الأسرة"، تعد الحلقة الأولى للدفع بالبنيان المجتمعي نحو الاتجاه المُحبذ في إيجابيتها،
والعكس صحيح.
·كون التعليم ومخرجاته من الوعي الإدراكي، أحد أهم الدوال التي تفضي مخرجاتها إلى تدعيم المجتمعات، وتشكيل بنى هيكلية تحتية يصعب انهيارها بتأثيرات مضادة[2].
وهذه الخاصية، تؤكد أن التعليم يؤدي دورا جوهريا في تحقيق درجة عالية من التعافي الاجتماعي، وكسر دائرة الصراع في الدول التي تعاني من الحروب والتمزقات الأهلية العميقة.
وبما أن السلام الاجتماعي يرتبط بشكل كبير بالسياسات والاتجاهات التي تتخذها الحكومات سواء تلك المتعلقة بإدارة الاقتصاد أو السياسة أو الثقافة، فإن إجراء إصلاحات تعليمية بغرض تحقيق درجة عالية من السلام والتوافق الاجتماعي هي إجراءات سياسية بالدرجة الأولى.
و من الخطورة بمكان أن تجري هذه الإصلاحات على المستوى السياسي البحت أو أن تعبر عن اتجاهات سياسية معينة لحزب معين أو لطرف سياسي دون آخر، لأن ذلك يمكن أن يولد المزيد من العنف بدلا من تحقيق الاستقرار والسلام.
لكن على النقيض من ذلك، يمكن للسياسات التعليمية توليد المزيد من الانشقاقات والتصدعات داخل النسيج الاجتماعي، فهو كالسلاح ذي الحدين وذلك لأن التعليم مرتبط ب:
•تشكيل الهوية والتنمية الثقافية وديمومة المجتمعات.
•إعادة توزيع الموارد على مستوى الدولة.
•الوصول إلى السلطة السياسية.
•الانتماء الإيدلوجي للفرد والمجتمع.[3]
3- مقومات ومضامين بناء السلام
لا تعني نهاية العنف العلني عن طريق اتفاق السلام أو النصر العسكري تحقيق السلم، وإن كانت مرحلة ما بعد النزاع" تقدم "مجموعة جديدة من الفرص التي يمكن اغتنامها أو هدرها لبناء سلم مستدام؛ فبناء السلم عبارة عن مفهوم يحدد البنى ويدعمها، وهي بنى من شأنها تمتين السلم وترسيخه في سبيل تفادي العودة إلى النزاع، ومثلما ترمي الدبلوماسية الوقائية إلى الحيلولة دون نشوب نزاع معين، تبدأ عملية بناء السلم في أثناء سياق هذا النزاع لتفادي تكراره.
وتكمن المهمة الفورية لبناء السلم في تلطيف تأثيرات الحرب في السكان، وتتمثل مهماتها الأولى في المساعدات الغذائية، ودعم الأنظمة في مجالي الصحة والنظافة، وإزالة الألغام، ودعم المنظمات الرئيسة على الصعيد اللوجستي، وفي هذه المرحلة أيضًا، من الأهمية بمكان أن تبذل الجهود الرامية إلى تلبية الحاجات الفورية بطرق تعزز أهداف التطور الطويلة الأجل عوضًا عن المجازفة بها .
وفيما يجري توفير الغداء، يجب التركيز على إعادة قدرات إنتاجه، وبالتزامن مع تسليم إمدادات الإغاثة، يجب إيلاء الاهتمام لتشييد الطرقات، وترميم منشآت الموانئ وتحسينها، وإقامة مخازن في المنطقة ومراكز للتوزيع.
و تتلخص استراتيجيات بناء السلم في كامل العمليات التي تسعى إلى التعاطي مع أسباب النزاعات والأزمات العنيفة الكامنة، في سبيل ضمان عدم تكرارها، وهي تهدف إلى تلبية الحاجات الأساسية للأمن والنظام، والحماية، والطعام، واللباس.
فما تقوم به معظم المجتمعات بصورة عفوية هو بناء السلم؛ أي تطوير الأنظمة الوطنية والدولية الفاعلة الصانعة للقرار، وآليات حل النزاعات وتدابير التعاون لتلبية الحاجات الإنسانية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية الأساسية، وتسهيل المواطنة الفاعلة.[4]
تأسيسا على ما سبق يمكن القول إن أغلبية العاملين على نشر السلام الإنساني يتفقون على تبني مفهوم شامل ومتكامل لثقافة السلام، يدعم نشر أجواء التسامح والوحدة بين العالم بدءا من الأسرة واحترام الوطنيات والإثنيات والقيم المحلية والأديان، والوصول لحالة من المحبة والتسامح والصبر تضمنها قوانين رادعة وعادلة وتنمية مستمرة تحقق ثقافة السلام.