التطرف مفهومه دوافعه وموقف الإسلام منه
تأثرت الكثير من فئات الشعوب العربية والإسلامية، نظرا لما يعيشه المجتمع الإنساني المعاصر في ظل متغيرات متسارعة عاصفة تشمل جميع مناحي الحياة الإنسانية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو روحية، مما أدى إلى ظهور مجموعة من الظواهر الشاذة من بينها ظاهرة التطرف.
فما هو التطرف وما هي دوافعه وما موقف الإسلام منه؟
المحور الأول: مفهوم التطرف لغة واصطلاحا
أ-مفهوم التطرف لغة
التطرف في اللغة معناه الوقوف في الطرف بعيدا عن الوسط وأصله في الحسيات كالتطرف في الوقوف أو الجلوس أو المشي ثم انتقل إلى المعنويات كالتطرف في الدين الفكر أو السلوك ومن لوازم التطرف أنه أقرب إلى المهلكة والخطر، وأبعد عن الحماية والأمان.[1]
ب-مفهوم التطرف اصطلاحا
والمقصود بالتطرف هو اعتقاد إنسان أو مجموعة من الناس، أنها تحتكر معرفة الحقيقة وأنها على حق وصواب، وغيرها على باطل وخطأ.[2]
وقد أجمع الغرب والشرق على تصنيف التطرف باعتباره ظاهرة عالمية تعارف الناس عليها واختاروا لها مصطلح ''الإرهاب''، وهو المقابل السريع للمصطلح الأجنبي terrorism الذي كان الأولى أن ينظر إليه على أنه أقرب إلى العنف منه إلى الإرهاب، ويمكن الإدعاء أن الذين تصدوا للمصطلح الأجنبي وأعطوه المقابل العربي ''الإرهاب'' لم يكونوا دقيقين في الترجمة، لا سيما وأن إشاعة هذا المصطلح قامت على أكتاف الإعلام، الذي روج له من دون النظر إلى الدقة في النقل عن المقابل الأجنبي، ولم يتفق دوليا على تعريف الإرهاب، رغم محاولات البعض الوصول إلى صيغة مشتركة تجمع شتات الأفكار التي تتضمنها التعريفات الكثيرة، التي فاقت المائة وعشرة تعريفات.
بحيث قيل إن وصف ظاهرة الإرهاب أسهل من تعريفها وهذا الاعتراض نابع من أن المفهوم الإسلامي للإرهاب يختلف تماما، في المؤدى عن المفهوم الشائع الآن.[3]
المحور الثاني: التأصيل للتطرف ودوافعه
أ-التأصيل للتطرف
تعتبر ظاهرة التطرف من المظاهر القديمة التي امتددت من عمق تاريخ الفكر الديني، والملاحظ أن من أكثر الظواهر شيوعا بعد حملات التأثر والتأثير التي تدور رحاها بين الأمم في ظل الضغط العالمي هو التطرف الذي أصبحت معالمه تزداد بازدياد حدة العنف بين دول العالم، خاصة في أواخر القرن المعاصر، وبالذات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001م، ولذلك يحرص الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بالذات للسيطرة على العالم واستغلال مقدرات الشعوب، ومن أحداث العنف التي دارت رحاها في العالم والتي كانت الولايات المتحدة الأمريكية قائدة لها؛ تولدت مشاعر التطرف في العالم العربي ضد الغرب وأمريكا، وضد الموالين لها المحافظين على مصالحها في المنطقة، ونظرا للتغيرات الحادة والعميقة التي يمر بها المجتمع العربي، والتي أفرزت التغيرات العالمية من ناحية، والصراعات العربية العربية من ناحية أخرى، أصبح يموج بظاهرة لها مخاطرها على بنية المجتمعات العربية وتوجهاتها، وهي ظاهرة التطرف الديني لدى بعض الشباب بصورة لم يسبق لها مثيل.[4]
ب-دوافع التطرف
ودوافع متطرف متعددة ومتنوعة؛ فالفكر المتطرف والمنحرف لا ينتشر إلا من خلال عوامل تغذيه والتي تسهم في نموه وتطوره في المجالات الدينية والسياسية والتربوية، مما ينوع أبعاده التي يصعب تحديدها كما يصعب نسبتها لعامل واحد، ولهذا فإن تنويع وسائل الوقاية من الفكر المنحرف ومواجهته بكل السبل والطرق هو دور لا بد أن تقوم به جميع مؤسسات المجتمع الدينية والتربوية والاجتماعية والإعلامية والأمنية، حتى يمكن محاصرة هذا الفكر والقضاء عليه في مهده.[5]
ومن أهم هذه الدوافع القصور العلمي للمتطرفين في غياب أو ضعف التأطير العلمي والديني الصحيح، وعدم إشباع التأطير المتوفر لعموم المواطنين، والشباب بصفة خاصة، حيث يتصدى للتأطير الديني والإفتاء متطفلون على المجال، لا يتوفرون على الأدوات العلمية، والتكوين الضروري للقيام بمهام التعليم والإفتاء: من معرفة بأصول الفقه، ومقاصد الشريعة وتحكم باللغة العربية ومعرفة إجمالية بفقه الواقع الوطني والاجتماعي الداخلي، والواقع الدولي وآلياته، وإلمام بمعارف العصر الضرورية وغير ذلك من أدوات الفقه والاجتهاد وهذا ما يتسبب في انتشار إفتاء قاصر يلوي أعناق نصوص القرآن والسنة ويفتي بظاهرها ويعزلها عن سياقه وأسباب ورودها وينتقي منها ما يوافق هواه فيفسرها بما يخدم أهدافه وذلك من أسباب تغذية التطرف الذي قد يتطور إلى إرهاب وهو أمر يتحمل مسؤوليته العلماء الراسخون ومؤسساتهم الرسمية وغير الرسمية، والسلطات الوصية على الشأن الديني، وكل المهتمين بالشأن الديني والاجتماعي والسياسي وهو ما يدعو الجميع إلى التمكين الإعلامي للراسخين في العلم ومؤسساتهم عملا بالحكمة القائلة: ''العملة الصحيحة تطرد العملة الزائفة''.
وقد تطرقت مجموعة من البحوث إلى العوامل المنشئة والمغذية للتطرف والإرهاب، لكن وبصفة إجمالية يمكن الإشارة إلى الضغوط والتوترات النفسية التي تنشأ لدى المتشددين، فتساهم في توفير فرص وأجواء الاستقطاب إلى معسكرات التطرف فيتحول قسم من المتشددين إلى مغالين وقسم ثان منهم إلى متطرفين، وقسم ثالث إلى إرهابيين.[6]
المحور الثالث: محاربة التطرف وموقف الإسلام منه
أ-محاربة التطرف
لاشك بان ظاهرة التطرف تحظى باهتمام الشعوب والحكومات في شتى أنحاء العالم لما لها من آثار خطيرة على أمن الدول واستقرارها، بعد أن اتضح أنها ظاهرة إجرامية منظمة تهدف إلى خلق جو عام من الخوف والرعب والتهديد باستخدام العنف ضد الأفراد والممتلكات؛ ما يعني أن هذه الظاهرة الخطيرة تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات والتأثير في أوضاعها السياسية وضرب اقتصادياتها الوطنية عن طريق قتل الأبرياء وخلق حالة من الفوضى العامة، بهدف تضخيم الأعمال الإرهابية وآثارها التدميرية في المجتمع، بما يتناسب مع القاسم المشترك الذي أمكن التوافق عليه بين تعريفات الإرهاب المختلفة، والذي يرى في الإرهاب استخداما غير مشروع للعنف يهدف إلى الترويع العام وتحقيق أهداف سياسية؛ ما جعل البعض ينظر إلى الإرهاب على أنه عنف منظم موجه نحو مجتمع ما أو حتى التهديد بهذا العنف سواء أكان هذا المجتمع دولة أو مجموعة من الدول أو جماعة سياسية أو عقائدية على يد جماعات لها طابع تنظيمي تهدف إلى إحداث حالة من الفوضى وتهديد استقرار المجتمع من أجل السيطرة عليه أو تقويض سيطرة أخرى مهيمنة عليه لصالح القائم بعمل العنف في إشارة إلى اعتماد الإرهاب المفرط على العنف المتعمد وعدم التمييز بين المدنيين وغير المدنيين كأهداف شرعية من أجل تحقيق أغراض سياسية[7].
ب-موقف الإسلام من التطرف
لم يأت ذكر لفظة تطرف في القرآن الكريم، ولا ورد فيه لفظ الإرهاب، وإنما ورد اشتقاق جذره ''رهب'' اثنتي عشرة مرة، وهذه هي الآيات التي تدل على هذا:
- ''يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفي بعهدكم وإياي فارهبون''.[8]
- ''لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون''.[9]
- ''قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم''.[10]
- ''ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون''.[11]
- ''وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.[12]
- ''اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله''.[13]
- ''يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله''.[14]
- ''وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون''.[15]
- ''إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين''.[16]
- ''اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانا''.[17]
- ''ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها''.[18]
- ''لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون''.[19]
وقد وضح المفسرون دلالة اللفظ في هذه الآيات على النحو التالي:
1- الآية 40 من سورة البقرة (وإياي فارهبون): وإياي فاخشوا واتقوا، وإياي فارهبون فيما تأتون وتذرون وخصوصا في نقض العهد وكأنه قيل: إن كنتم راهبين شيئا فارهبون، والرهبة خوف مع تحرز، والآية متضمنة للوعد والوعيد دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد، وأن المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحدا إلا الله تعالى
2- الآية 82 من سورة المائدة (قسيسين ورهبانا): والرهبان جمع راهب، وهو العابد، مشتق من الرهبة وهي الخوف، وقد تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع، ثم وصفهم بالانقياد للحق وإتباعه والإنصاف، والرهبانية والترهب التعبد في صومعة
3- الآية 116 من سورة الأعراف (استرهبتموهم): أي أرهبوهم وأفزعوهم، واسترهبوهم أي فرقوهم من الفرق واسترهبوهم أي أدخلوا الرهبة في قلوبهم إدخالا شديدا.
4- الآية 154 من سورة الأعراف (للذين هم لربهم يرهبون): للذين يخافون الله ويخشون عقابه على معاصيه.
5- الآية 60 من سورة التوبة (رهبانهم) وقد تقدم تبيانه في تفسير الآية 82 من سورة المائدة.
7- الآية 51 من سورة النحل (فإياي فارهبون): فإياي فاتقوا وخافوا عقابي بمعصيتكم إياي إن عصيتموني وعبدتم غيري، فإياي فارهبون أي خافون وقد تقدم شرحه في سورة البقرة.
8- الآية 90 من سورة الأنبياء (ويدعوننا رغبا ورهبا): أي يفزعون إلينا فيدعوننا في حال الرخاء وحال الشدة، وقيل: المعنى يدعون وقت تعبدهم وهم بحال رغبة ورجاء ورهبة وخوفا، لأن الرغبة والرهبة متلازمان، وقيل: الرغب رفع بطون الأكف إلى السماء، والرهب رفع ظهورها.
9- الآية 32 من سورة القصص (الرهب): أي الخوف الحاصل من إضاءة اليد بأن تدخلها في جيبك فتعود إلى حالتها الأولى.
10- الآية 27 من سورة الحديد (ورهبانية): وهي منسوبة إلى الرهبان، كالرضوانية من الرضوان، وذلك لأنهم حملوا أنفسهم على المشتقات في الامتناع من المطعم والمشرب والنكاح والتعلق بالكهوف والصوامع، وفي خبر مرفوع:هي لحوقهم بالبراري والجبال.
11- الآية 13 من سورة الحشر (أشد رهبة): ''لأنتم'' يا معشر المسلمين أشد رهبة أي خوفا وخشية؛ أي يخافون منكم أكثر مما يخافون من ربهم ذلك الخوف.
12- الآية 60 من سورة الأنفال يأتي في سياق الإعداد العسكري بغرض إرهاب العدو فلا يجرؤ على حرب المسلمين، ولا يفكر فيها، وعليه فإن هذه الآية تؤدي إلى تجنب الحرب وليس إثارتها.
ومن استعراض آيات القرآن الكريم وشروحها في التفاسير المعتمدة، يتضح أن النص القرآني لم يشتمل على مصطلح الإرهاب.
كما أن جميع اشتقاقات مصدره لم تنص ولم تشر ولا تفيد بأي حال من الأحوال معنى القتل أو التدمير أو الإيذاء، بل إن هذه الآيات في مجملها لا تشير إلا أنماط العلاقة بين بني البشر في أي من مستوياتها أو أنواعها، وإنما تشير إلى حالة وجدانية بين العبد وربه (رهبانية-رهبان -إياي فارهبون)، وهي معان تتجه نحو التقوى والطاعة والزهد وكلها معان جليلة، وبعض الآيات تشير إلى فعل الخوف المستنكر الذي أحدثه السحرة ''واسترهبوهم''، وبعضها يشير إلى خلق ذميم عند أصحابه ''أشد رهبة في صدورهم من الله''.[20]
وصفوة القول إن التطرف ظاهرة مجتمعية من صنيع الفكر الجاهل لم ينص عليه الدين الإسلامي ولو بآية واحدة من آيات القرآن الكريم، والإسلام بريء من كل ما ينسب له من تلفيقات إرهابية، ناتجة عن الفهم الخاطئ لمعنى الآيات أو عن ترجمة فورية لها.