الإنسانية والإرهاب عند حنة آرندت (غيوم بليزانس)
ترجمة: عزيز العرباوي
تحت العنوان المتفرع "الإنسانية والإرهاب"، توضع النصوص المقترحة في هذا الكتاب المفاهيم الفلسفية عند (حنة آرندت-Hannah Arendt)، موضع تطبيق في سياسة عصرها. ففي الخبر الذي يكون دائماً ساخناً، تضيء هذه النصوص القصيرة الأفكار المعاصرة، وخاصة استمرار بعض الآليات التي من خلالها تكون أنظمتنا السياسية والاجتماعية مقفلة.
فكر اليوم من خلال فهم أمس
إن شغف فهم آرندت يكون دائماً متعلقاً بالاستعداد للتفكير في العالم، ففي كتاب "شرط الإنسان العصري" تكتب أيضاً:
(إن الخفة وتقصد بها: الجرأة المتهورة، والارتباك دون أمل أو التكرار المرضي للحقائق التي تصبح عادية وفارغة، تظهر لي على أنها واحدة من المميزات الرئيسية لوقتنا).
ما اقترحه إذاً بسيط جداً: "ليس أكثر من التفكير في ما نفعله".
ومن المرجح، وسعياً لفهم هذا في وقتها، تدعونا آرندت في الواقع إلى التفكير اليوم، عندما كتبت في "بذور الفاشية العالمية" عام 1955 والذي نتناوله هنا، حيث أشارت في الوقت نفسه إلى إفلاس الدول القومية والطابع الدولي المعادي للفاشية، حيث يعتبر من الصعب عدم التفكير في قوة الشعوب التي تنتشر في جميع أنحاء الكوكب.
ولأن هذه الفاشية العالمية تبدو غير احتمالية، إلا إذا طورت آرندت في هذه النصوص حجة كاملة حول نتائج النظام النازي داخل دولة ألمانيا، أو حول مفهوم الأمة أو السياسة، أو أيضاً حول كيفية دراسة العلوم الاجتماعية لمعسكرات الاعتقال.
ومن خلال المراجعات أو القراءات النقدية في الكتب والنظريات التي تسلط عليها آرندت وجهة نظرها، فإن الفلسفة تمنح للقارئ أسلحة التفكير في الفاشية، ومعاداة السامية، والشيوعية والشمولية.
الإرهاب، من مفهوم آرندت إلى المعنى العام
يأخذ الإرهاب عند حنة آرندت معنىً أكثر تحديداً، فبقدر ما هو أداة عند منظري الشمولية (وعندهم فقط)، فإنه في النهاية يهاجم أصحاب السلطة، ولكن مع تطور النظام الشمولي، فإن الإرهاب لم يعدْ وسيلة لتحقيق غاية، إنه جوهر حكومةٍ من هذا النوع، إن هدفه السياسي النهائي هو إنشاء مجتمع والحفاظ عليه، والذي يكون فيه كل فرد ليس سوى عينة من نفس الفصيلة.
ومن هنا، يمكن الإحساس بتراث أرسطو الفلسفي، حيث اعتقد أرسطو أن الإرهاب والشفقة هما من المشاعر المأساوية، واليوم وبخلاف المعنى الذي أعطته آرندت والمعنى التاريخي للرعب الذي خلفه الإرهاب الأبيض والأحمر، يبقى الإرهاب أولاً وقبل كل شيء عاطفة عميقة تستولي على الإنسان.
فظيع عمل آرندت هذا! فهو في الوقت نفسه مرعب للطبيعة الإنسانية، ومثير للقلق بالنسبة للمفاهيم المتقدمة -وغالباً ما يساء فهمه-، وبالتالي فهو استثنائي، بالنسبة للمعنى الأول للكلمة، وهذا من شأنه أن يمنحنا التفكير في الشعور بالتحسن الذي يأخذ في النهاية الصفة الرهيبة.
نبذة عن حنة آرندت
حنة آرندت (14 أكتوبر 1906 - 4 ديسمبر 1975) كانت منظرة سياسية وباحثة يهودية من أصل ألماني، على الرغم من أنه كثيرا ما تم وصفها بالفيلسوفة، فإنها كانت دائماً ترفض هذه العلامة على أساس أن الفلسفة تتعاطى مع "الإنسان في صيغة المفرد". وبدلا عن ذلك وصفت نفسها بالمنظرة السياسية؛ لأن عملها يركز على كون "البشر، لا الإنسان الفرد، يعيشون على الأرض ويسكنون العالم"، وفي هذا الإطار نستحضر ما قاله الباحث المغربي (المهدي مستقيم) عنها في مقال له بجريدة القدس: (تعدّ الفيلسوفة الألمانية الأمريكية حنة آرندت من بين أهم الفلاسفة المعاصرين الذين انشغلوا بقضايا الحداثة السياسية، ووضع الإنسان المعاصر، وأزمة الثقافة، والفضاء العمومي، والفاعلية السياسية، وإمكانات الثورة، والعلاقة مع التراث ومطلب الحرية، وأثارت مواقفها وأفكارها إزاء هذه القضايا إشكالات كبرى ، واحتلت مكانة مرموقة ضمن دائرة النقاشات الفلسفية المعاصرة. حيث إن فكرها الذي يضم نسيجاً معقدا من الأفلاطونية والأرسطوية والسبينوزية والكانطية والهيغلية والماركسية، من دون أن نغفل طبعا أثر فيلسوف الغابة السوداء ضمن هذه التركيبة التي سماها ناجي العونلي بالشميلة).