فضل طلب العلم الشرعي الإسلامي
علم الدين هو أسمى العلوم وأعظمها، فهو العلم المنظم لحياة البشرية، هو منهج الحياة؛ لأنه بكل بساطة من عند الله عز وجل، والدين مجموعة من العلوم اليقينية، ولأن هذه العلوم محفوظة بوعد من الله، ولأن هذه العلوم أيضاً تنفعنا في الدنيا وفي الآخرة، وكما يقول الدكتور محمد راتب النابلسي: (من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معا فعليه بالعلم).
بل إن العلم فرض واجب، كما ورد في الحديث[1]:
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ حَبِيبٍ الْبَيْرُوتِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفًّى، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ").
وورد أيضا في فضل طلب العلم هذا الحديث[2]:
(حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْعَتَكِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ").
وقد ورد بسنن أبي داود هذا الحديث[3]:
(حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: " كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ "، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: لَقِيتُ شَبِيبَ بْنَ شَيْبَةَ فَحَدَّثَنِي بِهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ يَعْنِي، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ).
نستخلص من هذا الحديث فوائد لا تحصى، منها عظمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم عند المتقدمين، وقيمة طلب العلم وفضله، وكيف نأخذ العلم من أهله مشافهة وجها لوجه؟، لا عن طريق الخبر المجهول مصدره، بل من عند الشخص نفسه، أي أخذ العلم من مصدره الخاص، فمثلا كثيرا ما ترى أناسا حقودين يتكلمون على الاسلام بما ليس فيه، ويؤلفون الكتب والمجلدات ويبنون أفكارا ومعتقدات على مجرد خبر غير صحيح، فهم لم يطلبوا الشيء من مصدره بل هم لا علاقة لهم بقواعد المسلمين في أخذ الأخبار الصحيحة اليقينية وتصفيتها من الأخبار الكاذبة.
سافر الرجل من المدينة إلى دمشق؛ طلبا لحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليسمعه بسنده المتصل من أبي الدرداء، وهذا ما عليه العلماء ليومنا هذا في تدريس العلوم الشرعية، كل العلوم هي إرث أخذه الشيخ عن شيخ عن شيخ، وصولا للتابعين عن الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند متصل، فبهذه الطريقة حفظ الله هذا الدين.
لقد خلق الله هذا الكون بأسباب وجعل مبدأه السببية، لذلك يسّر لنا الأسباب للتعلم والدعوة وغيرها، لذلك لابد من أسباب لحفظ كتابه ودينه من التحريف، ولذلك اصطفى سبحانه وتعالى أناسا ليكونوا رسلا وأنبياء وآخرين أئمة وعلماء، فقد خص أمة الإسلام بهذا الامتياز العظيم، فلا وجود لملة أو لدين على سطح هذه الأرض ورثت دينها بأسناد متصلة، ولا وجود لملة أو دين تختص بعلم الرجال وعلم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل، فهذه علوم خاصة بأمة الإسلام وحدهم ولهم فيها مراجع ومقررات.
لم توجد أمة على سطح هذه الأرض تهتم بالعلوم كما كان يهتم بها المسلمون وكما اهتمت بها دولة الإسلام.
إن النظام الإسلامي الذي حكم لقرون عديدة هو المثال الذي يحتذى به الآن في كبرى الدول الديمقراطية العالمية، ولا وجود لدولة قبلت كل الأعراق والأجناس ولم تكن تفرق بين الناس كدولة الإسلام بصفة خاصة والمسلمون بصفة عامة.
فقد كانت دولة الإسلام خليطا متجانسا من شعوب وجنسيات وثقافات مختلفة، فلم يكن هناك تعصب أو قومية او عصبية جاهلية لعرق أو لغة أو دين، بل كان جميع الناس يعيشون في سلام ورخاء مطمئنين آمنين. وقد نسجت على هذا المنوال الولايات المتحدة الامريكية، فكانت النتيجة تقدما علميا وسيطرة على العالم، لكن للأسف فهذه القوة العظمى اليوم لم تستغل هذا التجانس والتعاون والثقافات إلا في مصالح سياسية ضيقة ومصالح اقتصادية أنانية، بل إن التقدم العلمي اليوم ليس لفائدة البشرية، بل هو تقدم علمي عسكري في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية لتوفير الرفاهية ولخلق مصادر لجني الكثير والكثير من الأموال.
أما علوم الإسلام فهي علوم سامية لا نعرف قيمتها الا حين نخوض في بحورها وندرسها من أهلها لنكتشف العظمة الكامنة التي ساهمت في رقي هذا العالم، فمحاولة طمس علوم المسلمين وتهميشهم هي خسارة عظيمة للعالم والبشرية، فقد بنى المسلمون علومهم على اليقينيات ولكن الغرب اليوم يبني علومه على الفلسفات والظنيات والعاطفة والمشاعر، لحد اليوم نرى أثر علماء المسلمين في كل استعمالاتنا اليومية، لكن الغرب يحاول طمسه بالاشتراك مع عملائهم الذين يحكمون بلداننا.
وقد أفردت الحديث عما قدمه الإسلام وعلماء الإسلام للبشرية في كتيب خاص تحت عنوان "علماء الإسلام" فيه بحث مختصر من الموسوعة العربية العالمية عما قدمه هؤلاء الرجال لهذا العالم من علوم، ليعرف الناس أن أمة الإسلام أمة فريدة قدمت للبشرية أكثر مما أخذت وأن تخلفنا اليوم ما هو إلا رد فعل طبيعي من قبائل همجية تحب أن تنسب الحضارة لنفسها دون غيرها، ولو كان ذلك على جثث الآخرين كما فعلوا مع السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية، والسكان الأصليين لأستراليا من إبادة جماعية، وكما حدث في بلادنا أيضا من قتل وابادة وتهميش.